الهفوف.. متحف مفتوح غائب عن المشهد السياحي
( حساكم - علي البحري )
تعد مدينة الهفوف قلب الاحساء النابض وشريان الحياة في المحافظة ومقصدًا للزوار من مختلف المناطق، الامر الذي يلزم المسؤولين بالمحافظة بإظهارها بأبهى حلتها والعمل سويا على تكملة بنيتها التحتية، وتوفير مختلف الخدمات لمواطنيها وزوارها، وأن تكون مبانيها ودوائرها الحكومية مجهزة سواء كانت مباني مدارس أو مستشفيات ومراكز صحية، أو مراكز أمنية ودوائر خدمية أو غير ذلك من مشاريع البنية التحتية.
وإذا كنا نلمس ورش العمل وانشاء المباني ومختلف المرافق الخدماتية في المدينة منذ سنوات إلا أن الأهالي يترقبون وينتظرون أن تكتمل كافة المشاريع الخدمية ويطمحون لأن تكون بالفعل مرافق نموذجية حديثة ومتطورة بالإضافة الى الألتفات الى المواقع التراثية والسياحية التي تشكل مواقع متميزة وتسرد تاريخ مدينة وتاريخ منطقة .
«اليوم» في حلقتها الأخيرة من ملف «الهفوف .. مشاريع متعثرة .. والأهالي يحلمون بخدمات متكاملة» رصدت بالكلمة والصورة المواقع التراثية و الأثرية والسياحية بالمدينة والتقت بمواطنين وزوار تحدثوا حيالها.
بيت البيعة
رغم إحتضان الهفوف لكثير من المواقع الأثرية والتاريخية بالإضافة الى المتحف الوطني إلا أن تلك المواقع إما معطلة أو مغلقة أمام الزوار طوال العام أو شبه غائبة عن المشهد والحراك السياحي ،وتجد المواقع على الخريطة التي تشير بوجود موقع أثري هنا أو هناك،والمطروح متى يتم الإستفادة منها وافتتاحها بشكل يومي أمام الزوار.
ونواصل في الحلقة الأخيرة من جولتنا في الهفوف التي تعد احدى أهم مدن الأحساء التجول بالعديد من المواقع التاريخية ونبدأ من بيت البيعة الذي يقع وسط حي الكوت القديم وهو منزل الشيخ عبد اللطيف الملا وأسس عام 1203هـ في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الأولى وهذا ما بينه وليد الحسين مدير متحف الأحساء للأثار والذي قال أن الأمام عبد الرحمن الفصيل رحمه الله واثناء طريقة إلى الكويت في عام 1309هـ زار الأحساء ومعه أبنائه عبد العزيز ومحمد وعبد الله بن جلوي وذهب إليهم مفتي الديار الأحسائية وقاضيها الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن الملا ودعاهم لتناول طعام الغداء فأجاب الإمام عبدالرحمن دعوته وجاء إلى منزل البيعة يصحبه أولاده وحاشيته.
وفي ليلة الاثنين الموافق 28/5/1331هـ دخل الملك عبد العزيز المنزل (منزل البيعة) وأقام بقية الليلة مع أخوته محمد وسعد وعبد الله أبناء الإمام عبد الرحمن الفيصل وابن عمه الأمير عبد الله بن جلوي بن تركي ومحمد بن عبد الله آل الشيخ خال الملك فيصل وتمت له مبايعة أهالي الأحساء في منزل الشيخ عبد اللطيف الملا (منزل البيعة) ونادى المنادي فوق أسوار الكوت (أن الحكم لله ثم للإمام عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل.
وقامت وكالة الاثار والمتاحف مؤخراً بترميم البيت والذي اصبح معلما سياحيا من معالم الأحساء . ولكنه مغلق أمام الزوار وإذا فتحت ابوابه سرعان ما يتم إغلاقها من أجل الصيانة.
المدرسة الأميرية
وقال المهندس عبدالله الشائب عند مدرسة الهفوف الأولى تم إنشاؤها عام 1940ميلادية، كمدرسة ابتدائية، ثم ضم المبنى لاحقا، الذي يعد أنموذجا معماريا متميزا ، الى المرحلتين المتوسطة والثانوية منوها الى ان المبنى وبأمر من الأمير سلطان بن سلمان رئيس جهاز الهيئة العامة للسياحة والآثار أصبح مركزا حضاريا لمدينة الهفوف، بعد أن خضع خلال الأعوام الماضية الى الترميم والتأهيل، وتعد المدرسة التي تبلغ مساحتها 1200متر مربع، وتم إنشاؤها تلبية لإرادة تنموية لنشر التعليم النظامي، تحت مسمى المدرسة «الأميرية» كأول مبنى مدرسي حكومي في الأحساء في العهد السعودي.
وأضاف تم تسليم المبنى لفرع جمعية علوم العمران بالتعاون مع وكالة الآثار، وفي عام 1998 ميلادية جاءت فكرة ترميمه وتأهيله، وتبنى الأمير سلطان بن سلمان رعاية مشروع الترميم ، ويتميز بموقعه الحيوي وسط مدينة الهفوف، وأنه يرتبط بالذاكرة التاريخية لأهالي الأحساء ووبقية محافظات المملكة والخليج نظرا لتلقي العديد من الشخصيات في المملكة والخليج تعليمهم في المدرسة، كما أن تصميمه الفريد يعطي شواهد على مدى رقي العمارة المحلية وارتفاع الثقافة المعمارية في شبه الجزيرة العربية، خاصة وأنه يعد أنموذجا في المباني التعليمية، باستخدام مواد البيئة المحلية بدقة وإتقان كأسقف الكندل والجص والحصى وجذوع النخل ونبات الأسل والأبواب والنوافذ، وهو نموذج للعمارة الإسلامية، وهو يمثل تكاملا ونضوجا لمدينة الهفوف مع مفردات التراث العمراني في الأحساء.
وهذا المعلم التعليمي الجميل مغلق أمام الزوار.
متحف الاحساء
وبين مدير متحف الأحساء وليد الحسن أن المتحف يشكل جزءاً كبير من تاريخ وحضارة الأحساء، ويهدف المتحف الذي يحتوي على قطع التراث الشعبي المحلي، اطلاع الجمهور على الآثار والتاريخ والتراث الشعبي المحلي من خلال المعارض والنشاطات التثقيفية الأخرى وأخيرا للتعبير عن مساهمة المجتمع المحلي في تاريخ المملكة وحضارتها.
وقال أن متحف الأحساء والذي يقع في مدينة الهفوف أقيم على مساحة (4000 م2 ) وبدأ العمل بإنشائه 27/2/1403هـ وتم تشييده والانتهاء منه 22/6/1404هـ وتم الانتقال إليه بتاريخ 9/5/1405هـ إضافة إلى مساحة خلفية لإقامة الأنشطة التراثية قدرها (1300م2)
وقد تم افتتاح المتحف الرسمي في 22/12/1417هـ مبينا ان المتحف يضم ثلاثة أقسام هي صالة الاستقبال وتتقدم المتحف وبها مكتب لاستقبال الزائرين واللوحات الرئيسية وصور قديمة للأحساء التقطت في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين الميلادي. كما خصص جزء من صالة الاستقبال لعروض المتاحف الخاصة واهداءات المواطنين وخصص جزء آخر من صالة الاستقبال لعرض بعض من سمات التراث المعماري للأحساء.
وصالة المحاضرات .
واشار الى ان صالة المتحف الرئيسة تتكون من عدة أجزاء تتضمن عددا من خزائن العرض الزجاجية واللوحات التوضيحية الملونة والخرائط التفصيلية حسب التسلسل الزمني والتاريخي للمنطقة وهي الجزء الأول ويعرض تاريخ وآثار المنطقة منذ 12 مليون سنة وحركة القارات والأزمنة الجيولوجية وعمر الأرض ومقارنة آثار المنطقة بآثار المملكة وأهمية المنطقة الزراعية والتجارية والخليج العربي وتشكله منذ بداية تكوينه إلى وقتنا الحاضر. والجزء الثاني يوضح فترات العصر الحجري القديم والوسيط والحديث ويعرض نماذج من ادوات ومواقع كل عصر ومنها موقع عين قناص بالاحساء الذي يمثل آخر مراحل العصر الحجري الحديث وما كشف فيه من حظائر تدل على استئناس الحيوان وما يعاصرها مثل موقع الدوسرية وما عثر فيه من نماذج لمساكن الأكواخ البدائية مع عرض لتأثر المنطقة بالحضارات المجاورة في وادي الرافدين.
وبين ان الجزء الثالث يشتمل على نبذة عن الحياة الفطرية بالمنطقة وأهم النباتات الصحراوية والحياة النباتية للأشجار المعمرة والحولية في الأحساء، كما تعرض الحيوانات البرية وتكيفها مع البيئة وأنواع المظاهر السطحية التي تعيش فيها مختلف الحيوانات والزواحف والطيور واستئناس الحيوان، كما تعرض مظاهر الحياة البحرية وأنواع الأسماك ومصائدها في الخليج العربي ونماذج لأدوات الصيد التي توصل اليها الإنسان وتطور صناعة المراكب وأصنافها وعرض نموذج مصغر لاحد المراكب وأدوات ومراحل صناعتها، اضافة الى مهنة الغوص للبحث عن اللؤلؤ ومصائده (الهيرات) في الخليج العربي وتشريح الأصداف ونماذج لسلال الغوص وموازين اللؤلؤ. في حين يظهر الجزء الرابع مواقع الالف الثالث وأوائل الألف الثاني قبل الميلاد ومدن العصر البرونزي في شرق الجزيرة العربية وهو ما يطلق عليه فترة حضارة دلمون وأساطيرها وظهر رعاة الجمال 1700 ق. م ـ 500 ق.م (الفترة الأشورية والبابلية المتأخرة) وعرض معثورات من مواقع العقير والجرهاء ترجع الى عصر الجرهاء من 500 ق.م ـ 400 ق. م اضافة الى عرض خرائط تبين الطرق التجارية البرية والبحرية في الجزيرة العربية وما حولها.
ويبين الجزء الخامس الخطوط واللغات في شرق الجزيرة العربية قبل الإسلام ونماذج لأنواعها مع عرض لشاهد حجري كتب بالخط المسند الحسائي، إضافة الى نبذة عن الكتابة في التراث الإسلامي وتطورها وأدواتها.
والجزء السادس يبين الفترة الساسانية في شرق الجزيرة العربية 228 ـ 62م واتحاد القبائل العربية. والجزء السابع يركز على الفترة الإسلامية والخلافة في شرق الجزيرة العربية ودور قبيلة بني عبدالقيس في الاقتناع بالإسلام والدخول فيه وتأسيسهم لأقدم المساجد فيها وكذلك مدينة هجر والأحساء والعقير في صدر الإسلام.
والجزء الثامن يبين فترة الحكام المحليين للأحساء (العيونيون والعصفوريون والجبريون) واستعراض تاريخ دولهم، كما يعرض للأحساء في العصر الاسلامي الوسيط وحكم بني خالد والفترة العثمانية الأولى والدولتان السعوديتان الأولى والثانية والفترة العثمانية الثانية، واسترداد الأحساء على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه. والجزء التاسع يحتوي على عرض لمواد وأدوات التراث الشعبي في حياة البدو والمجتمع القروي الزراعي والمجتمع الحضري ومدن وأسواق الاحساء وأبرز صناعاتها المحلية.
والجزء العاشر: يعرض عدداً من العملات الإسلامية المنوعة وعدد من المخطوطات وصورها.
شوارع قديمة
و يقول حيدر بوسرور من سكان حي الرفعة الوسطى ان الهفوف تشتهر بعدد من الشوارع التي لها تاريخ ولها ذكر لدى الناس ومن تلك الشوارع شارع الحدادين .. شارع المدير .. والنجارين .. والعطارين .. والخبازين .. والفوارس وتكاد تكون هذه الأسماء كلها أسماء لشارع واحد وهو الشارع الذي يخترق حي الرفعة الوسطى في مدينة الهفوف باتجاه شرقي غربي لينتهي عند الجهة الجنوبية لسوق القيصرية التاريخي، حيث لم يكن يتجاوز عرضه الثمانية أمتار وطوله نحو 700م . ويعتبر تعدد الأسماء وإطلاقها على شارع واحد دلالة واضحة على أهمية هذا الشارع، مما حدا بكل أرباب حرفة أو منتج نسبته إليهم ليكون لهم دون غيرهم، وليبقى يحمل اسمهم ليعززوا مكانتهم في وسط شارع كان يمثل بمثابة شريان الحياة لأهل الأحساء، أو حتى زوارها من دول الخليج أو الأمريكان أو الإنجليز الذي كانوا يعملون في شركة أرامكوا..
سوق القيصرية
ويقول علي الملا وهو احد أصحاب المحلات التجارية في سوق القصيرية أن السوق يعد من اشهر وأكبر الأسواق التراثية والشعبية في منطقة الخليج وقد كان قبل احتراقه كاملا مقصدا لسكان المناطق والمحافظات والمدن السعودية ودول الخليج يرتادونه للتسوق لتنوع البضائع التي تعرض فيه سواء المنتجة محليا او التي يتم استيرادها.. والتي يعاد توزيعها الى مختلف مدن وسط المملكة.. والخليج.. وتميز السوق في الماضي بعرض منتجات الصناعات التقليدية الشعبية التي اشتهرت بها مدن وقرى الاحساء المختلفة.. وعلى الاخص الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها الاحساء على مر العصور مثل صناعة المشالح العبي والدلال والأواني والاحذية الحساوية المحلية والملبوسات والمنتجات الزراعية والجلدية والاعشاب.. والعطارة ومحلات الصرافة لجميع العملات المحلية والعربية والاجنبية.
عيون عذبة
وبين عبدالحميد السلطان من سكان حي النعاثل أن مدينة الهفوف تشتهر بوجود عدد كبير من عيون المياه التي كانت إلى عهد قريب مقصد الكثير من الزوار والأهالي للأستجمام والتنزه فيها إلا أن نضب المياه فيها أدى إلى هجرها واهمالها بل ونسيانها ومن تلك العيون « عين البحيرية و أم خريصان و ام الليف والخدود. والعيون التي كانت تشتهر بها الأحساء ويقصدها الجميع تراجع منسوب مياهها وبعضها جف.