الأحساء، الجزء الغالي من الوطن، مهد الحضارة والتاريخ، اعتمد أهلها على أنفسهم في تدبير شؤون حياتهم، يوم لم يكن هناك من وسائل التقنية الحديثة والتقدم الحضاري الذي نعيشه اليوم شيئا يذكر، كانت في هذه الأرض صناعات تقليدية كثيرة سادت لكنها بادت أو كادت تلفظ أنفاسها، وربما أهملها أهلها لأنها لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، فأصبحت مجرد ذكرى، أو ظل يقوم بها أشخاص هنا أو هناك في المناسبات كالجنادرية، ومناسبات التعليم ومعارض الفنون التشكيلية والأسواق الشعبية التي تقيمها جمعيات الثقافة والفنون.
ومن هذه الصناعات صناعة المداد والحصر ولي أن أصف طريقة صنع «المده» أو «المداد» بتلك الأيدي السمراء حين تقوم أناملها الخشنة بسحب عيدان الأسل الخضراء أو الصفراء بفعل التشميس حيث تجفف ويتغير لونها إلى اللون الأصفر فتصف تلك العيدان المدببة من احد أطرافها أسلة تلو أخرى برشاقة وخفة مدهشة في مهاراتها غير العادية لتصنع ما يسمى محليا بـ «المده» والتي قد يعود سبب تسميتها إلى عملية مدها على الأرض أو لأنها تمد حين يتم تصنيعها.
وتشكل الأيدي المبدعة لوحة جميلة من خلال تناسقها. ويقول حسين العطية من القرية التي اشتهرت بصناعة المداد أو المديد وهي قرية «الجرن» وهناك أيضا «الشعبة» وكانت «العمران» أيضا تصنعها كما تصنع الحصر التي تستخدم من الخوص خوص النخيل..
.. يقول العطية نأخذ الأسل من تجمعات المياه من الأصفر بالقرب من بحيرة الأصفر أو على طريق «العقير» أو أي تجمعات للمياه ويتم جزه أو حشه بالمحش وهي آلة قطع زراعية يدوية تشبه المنجل أو الخنجر الملتوي يستخدمها الفلاحون، وتجمع عيدان الأسل الخضراء ثم تجفف وتدخل الحبال الصغيرة في عملية الصناعة أو ما يسميها البعض بالحياكة.
ويكمل العطية بقوله يتم عملها بإدخال أعواد الأسل بطريقة معينة ترص الواحدة تلو الأخرى ثم تشد بالحبال بين كل مجموعه من العيدان، وللمديد أطوال مختلفة فبعضها قد يصل إلى عشرة أمتار أو أقل أو أكثر، وهناك النوع الجيد والآخر الرديء أو المتوسط الجودة، وأسعاره كانت تصل إلى مئة ريال وأكثر في ذلك الزمن، أما الآن فتصنع حسب الطلب، ويضيف العطية لم تعد تلك البيوت التي اشتهرت بهذه الصناعة تعمل فيها، فقد هجرتها بسبب التقدم الذي تعيشه بلادنا ولله الحمد، وكانت صناعة المده من اختصاص النساء وكانت البيوت كبيرة وواسعة لأن المده تحتاج إلى مساحة كافية لصناعتها، ويضيف من الطريف أن الرجل يعدد إلى أربع نساء في سبيل تحقيق كمية إنتاج أكثر من المديد.
واسأله هل هناك ألوان للمديد؟ يجيب لم يكن هناك ألوان سوى لونها الأصفر الذي يتحول بسبب التجفيف
ويضيف كانت المده تستخدم في فرش غرف النوم والمجالس والمساجد والحسينيات، وكانت هناك مديد صغيرة للصلاة في المنازل، وكانت تعرض في الأسواق الشعبية، ولها سوق مخصص ولها باعتها وسماسرتها وزبائنها.
وأسأله هل هناك مناطق أخرى في الشرقية من يعمل أهلها في هذه المهنة يقول نعم في القطيف ولا ادري هل لازالت هذه المهنة قائمه أم لا.
وأسأله أيضا من يشتري المديد والحصر الآن قال: هناك من يشتريها من المواطنين من أجل الاحتفاظ بها كذكرى في المنازل، وهناك من يستخدمها في متاحفهم الخاصة، وآخرون يستخدمونها لمنازلهم في جوانب من غرف الجلوس لكنهم قلة، أما حين تعرض في الأسواق أو المهرجانات فإن الأجانب يقبلون على شراءها يحتفظون بها كذكريات ليس إلا.
كما سألت العطية أيضا هل تعلمون أبناءكم هذه الحرفة التي كانت تدر عليكم ولازالت مبالغ طيبة ؟
فأجاب، للأسف لا، فلا الأبناء ولا البنات يهتمون بمهنة الآباء والأجداد رغم وجود أوقات فراغ لديهم، فليتهم يستغلونها في الصناعات التراثية ويستفيدون من أثمانها.
ويضيف أتمنى من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني تتبنى قيام صناعات قديمة اندثرت، ومن الواجب الحافظ عليها، أو أن تقوم مؤسسات خاصة بذلك من أجل الحفاظ على تراثنا.
للكاتب عبد الله القنبر "رحمه الله"